مذهب النباتيين
النباتيون هم القائلون بتحريم ذبح الحيوان لأية مصلحة كانت ويرون أن الإنسان من الحيوان وكل حيوان إنما يعيش بالتغذية بالنبات فالإنسان مفطور كذلك على التغذي بالنباتات والأثمار والألبان والبيض وأكله اللحم أمر عرض عليه لم يكن من فطرته ولا عادته وهو مذهب قديم
في العالم كتبت فيه كتب وعللت فيها أحكامهم بعلل شتى والنفس تشتاق للوقوف على هذا المذهب وأحكام أهله وقد أطلعنا حضرة الفاضل السيد محمد عبد الواحد الطوبي على رسالة فيه فأحببنا نشرها بعد التصرف في عبارتها تصرفاً يكسرها ثوب إنشاء سهل التناول ومن عباراتها يظهر أنها لأحد المسيحيين المنشئين ولا يخفى على أهل العلم والفضل أن كثيراً من المتقدمين كان يميل لهذا المذهب كأفلاطون وفيثاغورس وكذلك وجد في المتأخرين من أخذ به كأبي العلا المعري ولقد وصف له الطبيب لحم الفراريج في مرض موته فطلب أهله ذبح ديك عندهم فهرب منهم ودخل عليه فأمسكه وصار يمسحه ويقول له روّعوك وأبي عليهم ذبحه ووجد في اليونان جماعة يقال لهم الأعشابيون لهم بقية إلى الآن وإذا نظرنا إلى كثير من سكان القرى والأودية والصحارى نراهم يعيشون على أكل الخبز والخضر والثمار واللبن والبيض من غير أن يتمذهبوا بهذا المذهب وربما كان فيهم من لا يأكل اللحم إلا في عيد أو فرح فحكمه حكم من لم يأكله تمذهباً للندرة ولوقوف القراء على هذا المذهب وعلله ننشر الرسالة طالبين من أفاضل الأطباء الأجلاء كالنطاسي سالم باشا سام وحسن باشا محمود وصدقي باشا ودري بك وبدر بك وغيرهم ممن هو في طبقتهم أو دونها من تلامذتهم أن يوافونا بشرح للأغذية النباتية والحيوانية نقضاً لمذهب النباتيين أو تأييداً له ليقوم الأستاذ مقام مبلغ عنهم يتلو على الناس ما يريدون تعليمه لهم شاكراً لعنايتهم عارفاً لكل ذي فضل فضله وكان النباتيين لم يراعوا الشرائع الإلهية المبيحة ذبح الحيوان للتغذي به قال قائلهم
أخذ القوم من أعوام بإنكلترا يبالغون في البحث في أمر المعاش ومقتضياته ووضعوا في ذلك التأليف النفيسة ونشروا التعاليم المفيدة وألفوا جمعيات خصوصية منها جمعية. البقول والنباتات. وهي عبارة عن قوم تألفوا تحت لواء واحد جعلوا مركزهم الأول في مدينة منشستر ووضعوا لتأليف واستنبطوا المسائل ونشروا المنشورات في مذهبهم القائم بعدم أكل اللحوم أي بعدم قتل الحيوان وإنما يقتاتون من النبات كالبقول والثمار ثم الحليب
والبيض وقد تسموا نباتيين وتغلب عليهم هذا الاسم لتغلب البقول في الأقوات البشرية. فإن الإنسان يصبو إلى قوته الطبيعي الفاكهة والبقول لا اللحوم وقد رأينا كل حيوان أهلي يقوم بخدمة الإنسان قوته من الأعشاب كالفرس والبقر وغيرها لا من اللحوم فإذا لا الإنسان في أول فطرته ولا ما يقوم بخدمته من الحيوان يعد نم الضواري فإن قوت القسمين من الثمار والبقول لا من الحيوان المذبوح. وإما اغتذاء الإنسان فيما بعد باللحوم فإنما هو أمر على غير فطرته ونشأته الأولى واستدلوا على ذلك ببراهين ساطعة وأدلة قاطعة. قالوا عار على الإنسان أن يستولى عليه الجوع أو أن يرى قوم بل أطفال وأحداث يهلكون جوعاً لقلة القوت ولو انتفع الناس بما يستغلونه من الأرض بمساعدة الماء والهواء لكان نصف الدخل وافياً بمعاش أضعاف أضعافهم من البشر فما بال الناس يتعامون عن حرق الأرض وإحيائها حتى تضعضعت أحوالهم مأكلاً ومشرباً ومركباً وأصبح هذا يهلك شبعاً وذاك يموت جوعاً وهم يتحاسدون ويتنازعون في المعاش وأرض الله واسعة كثير ثمارها فما ضرهم لو حرثوا الأرض واستثمروها على ما ينبغي وخدموها خدمة جد واجتهاد فإنا نراها الآن مع ما عليه الزراعة من التقهقر ووجود أراض واسعة لا يستنبت الإنسان فيها شيئاً في محصولها بالمطلوب لقوت الموجود من الإنسان والبهيم ويزيد ع مؤنه فما الظن إذا أحكمت الزراعة واتسع نطاقها وعمرت الأراضي المتروكة وحسنت تربية الحيوان للانتفاع بدرّه وبيضه وصوفه وشعره ووبره وجلده عند انتهاء أجله بالموت العادي. ثم قالوا ليس من المكروه قتل الحيوان لتغذية الإنسان أن ذلك أمر يمجه الذوق السليم وتمقته النفس لما في ذلك من القسوة بل التوحش فضلاً عما هناك مما ينفر الذوق منه فما اللحوم إلا جثث مقتولة وهل يوجد شيء أكره من أكل الجثث. ولو فرضن أن جماعة بلغوا من العمر عشرين سنة ولم يأكلوا لحماً ولا عرفوا مسلخاً هل يطيق أحدهم مشاهدة القصابة وما فيها من الذبح والسلخ والتقطيع والكسر ثم تميل نفسه لأكل هذا اللحم بعد ذلك. لا. وإنما العادة أخذت تتدرج في التألف بالإنسان حتى غالبت فطرته ثم غلبتها بالفعل وجعلته يأكل شيئاً لم يكن اعتاد أكله. ولنا في أهل آسيا الجنوبية وأهل البراري وسكان الجبال أعظم شاهد فإنهم قلما يقتاتون بلحوم الحيوان ومع ذلك فإنهم أحسن الناس بنية وأشدهم قوة وأعظمهم بسالة. وأعظم الناس وأشهرهم من الفلاسفة قد ألف أكل البقول ونبذ اللحوم وأمتاز بذلك كثير منهم
في العصور الأولى كفيثاغورث الشهير والجميع ينادى بفضل الأقوات البقلية والنباتية وما نسميه الآن الصيامية (يعلم من هذه العبارة أن صاحب الرسالة مسيحي الدين كما تقدم) وللنباتيين في هذا الباب حجة واضحة فإن ما نطلبه في الحيوان من الغذاء إنما أخذه عن النباتات فلم نعدل عن طريقته التي هي تناول القوت من النبات رأساً ونطلبه بطريقة أكل لحم الحيوان. وقد بحث القوم في المسألة بحثاً كيماوياً واقتصادياً ومزاجياً فوجدوا الغذاء باللحوم بعدة من البدع وأتوا بأدلة لا يختلف اثنان في قوتها فقالوا في تصنيف تكرر طبعه تسعين مرة. لم نأكل اللحوم وهي أغلى قوت وأضره وأكرهه فإن الاغتذاء بالدقيق والفاكهة والبقول والبيض والحليب أرخص وأسلم وألذ فإنك تجد فيها عناصر الألومونيا والنشا والسكر والزيت إلى غير ذلك وأما الغذاء باللحوم فإنه غير كاف وحده لخلوه من النشا ولذا اضطررنا أن نزيد على اللحوم ما يتم به الغذاء كالخبز وما في معناه. ولا توجد خاصة في اللحوم إلا وهي موجودة في سواها من البقول والثمار والحليب والبيض وربما كانت أكثر وأحسن وأسلم عاقبة فإن أكل البقول يلائم مزاج الإنسان في كل مكان ويقدر أن يتحصل عليه بكل سهولة وهو غذاء مفضل على أكل اللحوم فإنك إذا أخذت درهماً من لحم البقر أو الضمان ودرهماً من اللوبيا والعدس والحمص كانت الخلاصة الغذائية 3 من 19 من البقول (كذا يقول صاحب الرسالة ولعله محل نظر) وبالجملة فإنه ليس في أكل اللحم ما يرغب فيه فإنه يقتضي لتناوله استعداد عظيم من إنضاج وتتبيل ومعاناة ذلك. النباتيون لأجل تأييد مدعاهم وترجيح مذهبهم أتوا بأدلة وبراهين نأتي بها مفصلة.
البرهان الأول إن الإنسان يغتذي طبعاً بثمار النبات وبقول الأرض لأن أسنانه أسنان كل حيوان يقتات بذلك وإنما أضراسه دون نيوب الضواري ويستعملها في تكسير الثمر ذي النوى والصلب مما جف م الثمار وأمعاؤُه كأمعاء الحيوان الذي يقتات بالحشيش لا أنه كأمعاء الضواري والكواسر فينتج من ذلك أن الإنسان حيوان يقنات بالثمار طبعاً وفطرة فضلاً عن أن البقول أسهل هضماً وأقل ضرراً وأكثر قو وأثم تمثيلاً. البرهان الثاني. ليس في اللحم عنصر قابل للتمثيل إلاّ وهو مأخوذ عن العالم النباتي فهو غذاء ناقص لا يحتوي على سكر ولا نشا ولك الحبوب والدقيق والثمار تحتوي على هذه العناصر التي لابد منه وقد قرر أهل النظر عدم وجود فرق معتبر بين الفبرين النباتي والحيواني ولا بين
الألبومين النباتي والألبومين الحيواني. البرهان الثالث. أن اللحوم مهما كانت نظيفة وملائمة فلابد من احتوائها على مواد فاسدة مضرة من ذلك الدم الباقي في الأهلية الشعرية والعناصر الآخذة في الانحلال عند الذبح والعلل الثابتة الضرر ما قد يوجد من الخميرية والطفيلية والأدواء التي قل أن يلتفت إليها البرهان الرابع أجمع أهل العرفان أن ربع المذبوح من الحيوان في المدن معتل لقلة الغذاء أو لكثرته أو لفساد بنيته وأن أكثر أمراض البقر والغنم تسري إلى الإنسان كالتيفوس والسل الرئوي وعلل الرئة والطاعون البقري وغير ذلك. البرهان الخامس أن جميع النباتيين يصرحوا بكونهم على أحسن صحة وأجود مزاج مما كانوا عليه قبل تركهم أكل اللحوم واقتصارهم على النبات والثمر فضلاً عن أن النبات كثيراً ما يشفي من داء المفاصل والصرع والفالج والأمراض الجلدية واستعمال الخضر والبقول والحليب والبيض يلائم سرعة الشفاء في الجرح والرض وما ينشأ عن العمليات الجراحية حتى قالوا لم نرى إنساناً اغتذى بالبقول وحدها وأصيب بلعة الهواء الأصفر البرهان السادس إن ضرر المسكرات ظاهر وإنما عوّل عليها السكارى لكثرة أكل اللحم فإذا شئت إرجاع سكير عن غيه فحوله عن الأغذية اللحمية إلى النباتية (لم يكن آكل اللحم علة في تناول المسكرات فإنا نجد الهمج الذين يعيشون على النباتات في الجبال والصحارى يصنعون مثل البوزة ويشربونها ونرى بعض العرب الذين لا غذاء لهم إلا التمر واللبن ينتبذون فهذا برهان واه) السابع أن الاغتذاء بالبقول يسبب حسن الخصال وتطهير الأخلاق وارتفاع الأفكار وحسن الألفة والمعاشرة وحب السلام فهي خير إذا يناسب الصحة أدبياً وعقلياً ومالياً في كل فرد وأمة (هذه النتائج ليست مطردة فإننا كما لا ننكر صفاء فكر المرتاض الذي لم يأكل غير النباتات ووصوله إلى علوم ومعان لم يصل إليها لو كان آكلاً للحوم لا ننكر وجود الكثير من النباتيين الجبايين مشتغلين بالإفساد وقتل المارّين بهم مع جهلهم الجهل الشنيع وشراسة أخلاقهم فهذا برهان غير مطرد) الثامن. الاغتذاء النباتي يناسب الجمال الطبيعي جداً فإنه يخول الهيئة ومنظر الجسم سمة خصوصية من الرقة والخفة ويعطي اللون والبشرة بهاء خصوصياً حتى قال بعض أهل النظر أننا نرى أجمل النساء في بريطانيا من أهل إيرلانده أي من نساء القرى اللاتي يغتذين بالكمأة (البطاطة) (وكذلك نساء العرب اللاتي لا يأكلن الحم إلا في الأعياد والأفراح فإنهم في
جمال خلقي لا يبلغه الجمال الصناعي وإنما يضاف للنبات جودة الهواء وعدم اختلاط الأنساب فكل قبيلة تمتاز بسحنة معلومة لعدم اختلاطها بغيرها بخلاف المدن فإنها لكثرة الاختلاط التناسلي توجد فروق كثيرة في السحن وربما وجدت بين شقيين أو توأمين أخذ كل واحد منهما شكلاً من أشكال أبويه وأجداده) التاسع. أن شعائر الإنسانية تأنف من تلك المشاهد الفظيعة من ذبح وسلخ وغير ذلك مما يكرهه الذوق (كل إنسان وما اعتاد فلا يلزم من استبشاع البعض استبشاع الكل فإننا نجد الاختلاف في نفس النبات فنرى قوماً يأكلون نباتاً يستقبح أكله قوم آخرون) العاشر. من ألزام أن نفصل عن الألفة طبقة من الناس مهنتهم اليومية ذبح الحيوانات وسلخها فلو كلف كل منا بذبح ما يلزم لأكله لعدل عن أكل اللحم من تلقاء نفسه وفضل عليه أكل البقول (هذا برهان ضعيف جداً فإن فصل طبقة من الناس تنزح المراحيض وتشتغل في مناجم الفحم ودبغ الجلود أظلم لو كانت القصابة ظلماً ومعاناة الإنسان صنع البر خبزاً والخضر طبيخاً أكثر مشقة من ذبح الحيوان وسلخه) الحادي عشر. إننا إذا خصصنا بقعة من الأرض للزرع والاستثمار فأن محصولها يقيت عدداً كثيراً من الناس الذين لو اقتاتوا بحيوان يرعى في تلك البقعة ما كفاهم. الثاني عشر. المشتغلون بالزراعة أكثر من المشتغلين بتربية الحيوان. الثالث عشر. النتيجة من الاغتذاء بالبقول واللحوم واحدة والبقول أرخص من اللحوم سبعة أمثال والرابع عشرة أن من الظلم قتل الحيوان الذي يساعد الإنسان ويشاركه في أعماله ويعينه على حملانه وغزواته وضروريات معاشه ومع ما نراه في الحيوان من الشدة والشجاعة والإقدام فإن هلا يغتذى بغير أحشائش والأعشاب الخامس عشر أن الشعوب الأشد نشاطاً وأكثر كداً وسعياً هي التي تقتات بالبقول فأهل سكسونيا يقتاتون بمغلي الشوفان وأهل أيرلندا بالكماءة وهم أكبر من الإنكليز وأقدر على العمل وفلاح أوفزنيا يأكل الكستنا (أبو فروة) والطلياني يأكل شربة الذرة الصفراء وقد اشتهر الجندي العثماني والبستاني الصيني والحمال الجزائري بجَلدهم على التعب وهم لا يأكلون من اللحوم كغيرهم (قلت وفلاح مصر وسورية وعرب الحجاز واليمن بل وجزيرة العرب بأجمعها لا يأكلون اللحوم إلا في أيام قلائل وهم أصح أجساماً من سكان المدن ولكن لجودة هواء القرى أكبر دخل في تقدم صحة أهلها) السادس عشر من الشعوب الشهيرة في التاريخ بثباتها وشجاعتها السبرتيون وما كانوا يقتاتون إلا بالنباتات
وكذلك الرومانيون أيام عظمتهم واليونان كانوا على جانب عظيم من القوة والشدة قبل أن يألفوا أكل اللحوم فلما أكلوها قلت همتهم وقهروا السابع عشر. إن كثيراً من المشاهير ألفوا البقول منهم فيثاغورث وأفلاطون وبلوتدرك ويوليونوس وغشندي وميلتون وينطون وروسو وفولتير وفرنكلن ولا مرتين وغيرهم. الثامن عشر. لما كان الغذاء النباتي طبيعياً للإنسان وأسلم عاقبة وأكثر تضاداً للسكر وسائر الرذائل وأحسن لنمو القوى العقلية وأخص كان عدم التعويل عليه جنوناً بل أثماً.
وهذه أدلة النباتيين وتعاليمهم وقد تتصور أن القوت بالنبات يضيق النطاق فإذا استبصرت أنفسح أمامك وقد ذكر القوم خمسمائة شكل على الأقل تصنع من الخضر والألبان فلا عدول عنها سخافة وقلة عقل.
الأستاذ لا يعول على هذه الأقوال بعد أن أحلت الشرائع ذبح الحيوان للتغذي بلحمه فمنكر الأوامر السماوية منكر للشرائع اللهم إلا أن يقول لا نحرم ذبح ما أحله الله ولكن نأنف من أكل حيوان في حكم القتيل فيرجع الأمر للعادة والله أعلم.
النباتيون هم القائلون بتحريم ذبح الحيوان لأية مصلحة كانت ويرون أن الإنسان من الحيوان وكل حيوان إنما يعيش بالتغذية بالنبات فالإنسان مفطور كذلك على التغذي بالنباتات والأثمار والألبان والبيض وأكله اللحم أمر عرض عليه لم يكن من فطرته ولا عادته وهو مذهب قديم
في العالم كتبت فيه كتب وعللت فيها أحكامهم بعلل شتى والنفس تشتاق للوقوف على هذا المذهب وأحكام أهله وقد أطلعنا حضرة الفاضل السيد محمد عبد الواحد الطوبي على رسالة فيه فأحببنا نشرها بعد التصرف في عبارتها تصرفاً يكسرها ثوب إنشاء سهل التناول ومن عباراتها يظهر أنها لأحد المسيحيين المنشئين ولا يخفى على أهل العلم والفضل أن كثيراً من المتقدمين كان يميل لهذا المذهب كأفلاطون وفيثاغورس وكذلك وجد في المتأخرين من أخذ به كأبي العلا المعري ولقد وصف له الطبيب لحم الفراريج في مرض موته فطلب أهله ذبح ديك عندهم فهرب منهم ودخل عليه فأمسكه وصار يمسحه ويقول له روّعوك وأبي عليهم ذبحه ووجد في اليونان جماعة يقال لهم الأعشابيون لهم بقية إلى الآن وإذا نظرنا إلى كثير من سكان القرى والأودية والصحارى نراهم يعيشون على أكل الخبز والخضر والثمار واللبن والبيض من غير أن يتمذهبوا بهذا المذهب وربما كان فيهم من لا يأكل اللحم إلا في عيد أو فرح فحكمه حكم من لم يأكله تمذهباً للندرة ولوقوف القراء على هذا المذهب وعلله ننشر الرسالة طالبين من أفاضل الأطباء الأجلاء كالنطاسي سالم باشا سام وحسن باشا محمود وصدقي باشا ودري بك وبدر بك وغيرهم ممن هو في طبقتهم أو دونها من تلامذتهم أن يوافونا بشرح للأغذية النباتية والحيوانية نقضاً لمذهب النباتيين أو تأييداً له ليقوم الأستاذ مقام مبلغ عنهم يتلو على الناس ما يريدون تعليمه لهم شاكراً لعنايتهم عارفاً لكل ذي فضل فضله وكان النباتيين لم يراعوا الشرائع الإلهية المبيحة ذبح الحيوان للتغذي به قال قائلهم
أخذ القوم من أعوام بإنكلترا يبالغون في البحث في أمر المعاش ومقتضياته ووضعوا في ذلك التأليف النفيسة ونشروا التعاليم المفيدة وألفوا جمعيات خصوصية منها جمعية. البقول والنباتات. وهي عبارة عن قوم تألفوا تحت لواء واحد جعلوا مركزهم الأول في مدينة منشستر ووضعوا لتأليف واستنبطوا المسائل ونشروا المنشورات في مذهبهم القائم بعدم أكل اللحوم أي بعدم قتل الحيوان وإنما يقتاتون من النبات كالبقول والثمار ثم الحليب
والبيض وقد تسموا نباتيين وتغلب عليهم هذا الاسم لتغلب البقول في الأقوات البشرية. فإن الإنسان يصبو إلى قوته الطبيعي الفاكهة والبقول لا اللحوم وقد رأينا كل حيوان أهلي يقوم بخدمة الإنسان قوته من الأعشاب كالفرس والبقر وغيرها لا من اللحوم فإذا لا الإنسان في أول فطرته ولا ما يقوم بخدمته من الحيوان يعد نم الضواري فإن قوت القسمين من الثمار والبقول لا من الحيوان المذبوح. وإما اغتذاء الإنسان فيما بعد باللحوم فإنما هو أمر على غير فطرته ونشأته الأولى واستدلوا على ذلك ببراهين ساطعة وأدلة قاطعة. قالوا عار على الإنسان أن يستولى عليه الجوع أو أن يرى قوم بل أطفال وأحداث يهلكون جوعاً لقلة القوت ولو انتفع الناس بما يستغلونه من الأرض بمساعدة الماء والهواء لكان نصف الدخل وافياً بمعاش أضعاف أضعافهم من البشر فما بال الناس يتعامون عن حرق الأرض وإحيائها حتى تضعضعت أحوالهم مأكلاً ومشرباً ومركباً وأصبح هذا يهلك شبعاً وذاك يموت جوعاً وهم يتحاسدون ويتنازعون في المعاش وأرض الله واسعة كثير ثمارها فما ضرهم لو حرثوا الأرض واستثمروها على ما ينبغي وخدموها خدمة جد واجتهاد فإنا نراها الآن مع ما عليه الزراعة من التقهقر ووجود أراض واسعة لا يستنبت الإنسان فيها شيئاً في محصولها بالمطلوب لقوت الموجود من الإنسان والبهيم ويزيد ع مؤنه فما الظن إذا أحكمت الزراعة واتسع نطاقها وعمرت الأراضي المتروكة وحسنت تربية الحيوان للانتفاع بدرّه وبيضه وصوفه وشعره ووبره وجلده عند انتهاء أجله بالموت العادي. ثم قالوا ليس من المكروه قتل الحيوان لتغذية الإنسان أن ذلك أمر يمجه الذوق السليم وتمقته النفس لما في ذلك من القسوة بل التوحش فضلاً عما هناك مما ينفر الذوق منه فما اللحوم إلا جثث مقتولة وهل يوجد شيء أكره من أكل الجثث. ولو فرضن أن جماعة بلغوا من العمر عشرين سنة ولم يأكلوا لحماً ولا عرفوا مسلخاً هل يطيق أحدهم مشاهدة القصابة وما فيها من الذبح والسلخ والتقطيع والكسر ثم تميل نفسه لأكل هذا اللحم بعد ذلك. لا. وإنما العادة أخذت تتدرج في التألف بالإنسان حتى غالبت فطرته ثم غلبتها بالفعل وجعلته يأكل شيئاً لم يكن اعتاد أكله. ولنا في أهل آسيا الجنوبية وأهل البراري وسكان الجبال أعظم شاهد فإنهم قلما يقتاتون بلحوم الحيوان ومع ذلك فإنهم أحسن الناس بنية وأشدهم قوة وأعظمهم بسالة. وأعظم الناس وأشهرهم من الفلاسفة قد ألف أكل البقول ونبذ اللحوم وأمتاز بذلك كثير منهم
في العصور الأولى كفيثاغورث الشهير والجميع ينادى بفضل الأقوات البقلية والنباتية وما نسميه الآن الصيامية (يعلم من هذه العبارة أن صاحب الرسالة مسيحي الدين كما تقدم) وللنباتيين في هذا الباب حجة واضحة فإن ما نطلبه في الحيوان من الغذاء إنما أخذه عن النباتات فلم نعدل عن طريقته التي هي تناول القوت من النبات رأساً ونطلبه بطريقة أكل لحم الحيوان. وقد بحث القوم في المسألة بحثاً كيماوياً واقتصادياً ومزاجياً فوجدوا الغذاء باللحوم بعدة من البدع وأتوا بأدلة لا يختلف اثنان في قوتها فقالوا في تصنيف تكرر طبعه تسعين مرة. لم نأكل اللحوم وهي أغلى قوت وأضره وأكرهه فإن الاغتذاء بالدقيق والفاكهة والبقول والبيض والحليب أرخص وأسلم وألذ فإنك تجد فيها عناصر الألومونيا والنشا والسكر والزيت إلى غير ذلك وأما الغذاء باللحوم فإنه غير كاف وحده لخلوه من النشا ولذا اضطررنا أن نزيد على اللحوم ما يتم به الغذاء كالخبز وما في معناه. ولا توجد خاصة في اللحوم إلا وهي موجودة في سواها من البقول والثمار والحليب والبيض وربما كانت أكثر وأحسن وأسلم عاقبة فإن أكل البقول يلائم مزاج الإنسان في كل مكان ويقدر أن يتحصل عليه بكل سهولة وهو غذاء مفضل على أكل اللحوم فإنك إذا أخذت درهماً من لحم البقر أو الضمان ودرهماً من اللوبيا والعدس والحمص كانت الخلاصة الغذائية 3 من 19 من البقول (كذا يقول صاحب الرسالة ولعله محل نظر) وبالجملة فإنه ليس في أكل اللحم ما يرغب فيه فإنه يقتضي لتناوله استعداد عظيم من إنضاج وتتبيل ومعاناة ذلك. النباتيون لأجل تأييد مدعاهم وترجيح مذهبهم أتوا بأدلة وبراهين نأتي بها مفصلة.
البرهان الأول إن الإنسان يغتذي طبعاً بثمار النبات وبقول الأرض لأن أسنانه أسنان كل حيوان يقتات بذلك وإنما أضراسه دون نيوب الضواري ويستعملها في تكسير الثمر ذي النوى والصلب مما جف م الثمار وأمعاؤُه كأمعاء الحيوان الذي يقتات بالحشيش لا أنه كأمعاء الضواري والكواسر فينتج من ذلك أن الإنسان حيوان يقنات بالثمار طبعاً وفطرة فضلاً عن أن البقول أسهل هضماً وأقل ضرراً وأكثر قو وأثم تمثيلاً. البرهان الثاني. ليس في اللحم عنصر قابل للتمثيل إلاّ وهو مأخوذ عن العالم النباتي فهو غذاء ناقص لا يحتوي على سكر ولا نشا ولك الحبوب والدقيق والثمار تحتوي على هذه العناصر التي لابد منه وقد قرر أهل النظر عدم وجود فرق معتبر بين الفبرين النباتي والحيواني ولا بين
الألبومين النباتي والألبومين الحيواني. البرهان الثالث. أن اللحوم مهما كانت نظيفة وملائمة فلابد من احتوائها على مواد فاسدة مضرة من ذلك الدم الباقي في الأهلية الشعرية والعناصر الآخذة في الانحلال عند الذبح والعلل الثابتة الضرر ما قد يوجد من الخميرية والطفيلية والأدواء التي قل أن يلتفت إليها البرهان الرابع أجمع أهل العرفان أن ربع المذبوح من الحيوان في المدن معتل لقلة الغذاء أو لكثرته أو لفساد بنيته وأن أكثر أمراض البقر والغنم تسري إلى الإنسان كالتيفوس والسل الرئوي وعلل الرئة والطاعون البقري وغير ذلك. البرهان الخامس أن جميع النباتيين يصرحوا بكونهم على أحسن صحة وأجود مزاج مما كانوا عليه قبل تركهم أكل اللحوم واقتصارهم على النبات والثمر فضلاً عن أن النبات كثيراً ما يشفي من داء المفاصل والصرع والفالج والأمراض الجلدية واستعمال الخضر والبقول والحليب والبيض يلائم سرعة الشفاء في الجرح والرض وما ينشأ عن العمليات الجراحية حتى قالوا لم نرى إنساناً اغتذى بالبقول وحدها وأصيب بلعة الهواء الأصفر البرهان السادس إن ضرر المسكرات ظاهر وإنما عوّل عليها السكارى لكثرة أكل اللحم فإذا شئت إرجاع سكير عن غيه فحوله عن الأغذية اللحمية إلى النباتية (لم يكن آكل اللحم علة في تناول المسكرات فإنا نجد الهمج الذين يعيشون على النباتات في الجبال والصحارى يصنعون مثل البوزة ويشربونها ونرى بعض العرب الذين لا غذاء لهم إلا التمر واللبن ينتبذون فهذا برهان واه) السابع أن الاغتذاء بالبقول يسبب حسن الخصال وتطهير الأخلاق وارتفاع الأفكار وحسن الألفة والمعاشرة وحب السلام فهي خير إذا يناسب الصحة أدبياً وعقلياً ومالياً في كل فرد وأمة (هذه النتائج ليست مطردة فإننا كما لا ننكر صفاء فكر المرتاض الذي لم يأكل غير النباتات ووصوله إلى علوم ومعان لم يصل إليها لو كان آكلاً للحوم لا ننكر وجود الكثير من النباتيين الجبايين مشتغلين بالإفساد وقتل المارّين بهم مع جهلهم الجهل الشنيع وشراسة أخلاقهم فهذا برهان غير مطرد) الثامن. الاغتذاء النباتي يناسب الجمال الطبيعي جداً فإنه يخول الهيئة ومنظر الجسم سمة خصوصية من الرقة والخفة ويعطي اللون والبشرة بهاء خصوصياً حتى قال بعض أهل النظر أننا نرى أجمل النساء في بريطانيا من أهل إيرلانده أي من نساء القرى اللاتي يغتذين بالكمأة (البطاطة) (وكذلك نساء العرب اللاتي لا يأكلن الحم إلا في الأعياد والأفراح فإنهم في
جمال خلقي لا يبلغه الجمال الصناعي وإنما يضاف للنبات جودة الهواء وعدم اختلاط الأنساب فكل قبيلة تمتاز بسحنة معلومة لعدم اختلاطها بغيرها بخلاف المدن فإنها لكثرة الاختلاط التناسلي توجد فروق كثيرة في السحن وربما وجدت بين شقيين أو توأمين أخذ كل واحد منهما شكلاً من أشكال أبويه وأجداده) التاسع. أن شعائر الإنسانية تأنف من تلك المشاهد الفظيعة من ذبح وسلخ وغير ذلك مما يكرهه الذوق (كل إنسان وما اعتاد فلا يلزم من استبشاع البعض استبشاع الكل فإننا نجد الاختلاف في نفس النبات فنرى قوماً يأكلون نباتاً يستقبح أكله قوم آخرون) العاشر. من ألزام أن نفصل عن الألفة طبقة من الناس مهنتهم اليومية ذبح الحيوانات وسلخها فلو كلف كل منا بذبح ما يلزم لأكله لعدل عن أكل اللحم من تلقاء نفسه وفضل عليه أكل البقول (هذا برهان ضعيف جداً فإن فصل طبقة من الناس تنزح المراحيض وتشتغل في مناجم الفحم ودبغ الجلود أظلم لو كانت القصابة ظلماً ومعاناة الإنسان صنع البر خبزاً والخضر طبيخاً أكثر مشقة من ذبح الحيوان وسلخه) الحادي عشر. إننا إذا خصصنا بقعة من الأرض للزرع والاستثمار فأن محصولها يقيت عدداً كثيراً من الناس الذين لو اقتاتوا بحيوان يرعى في تلك البقعة ما كفاهم. الثاني عشر. المشتغلون بالزراعة أكثر من المشتغلين بتربية الحيوان. الثالث عشر. النتيجة من الاغتذاء بالبقول واللحوم واحدة والبقول أرخص من اللحوم سبعة أمثال والرابع عشرة أن من الظلم قتل الحيوان الذي يساعد الإنسان ويشاركه في أعماله ويعينه على حملانه وغزواته وضروريات معاشه ومع ما نراه في الحيوان من الشدة والشجاعة والإقدام فإن هلا يغتذى بغير أحشائش والأعشاب الخامس عشر أن الشعوب الأشد نشاطاً وأكثر كداً وسعياً هي التي تقتات بالبقول فأهل سكسونيا يقتاتون بمغلي الشوفان وأهل أيرلندا بالكماءة وهم أكبر من الإنكليز وأقدر على العمل وفلاح أوفزنيا يأكل الكستنا (أبو فروة) والطلياني يأكل شربة الذرة الصفراء وقد اشتهر الجندي العثماني والبستاني الصيني والحمال الجزائري بجَلدهم على التعب وهم لا يأكلون من اللحوم كغيرهم (قلت وفلاح مصر وسورية وعرب الحجاز واليمن بل وجزيرة العرب بأجمعها لا يأكلون اللحوم إلا في أيام قلائل وهم أصح أجساماً من سكان المدن ولكن لجودة هواء القرى أكبر دخل في تقدم صحة أهلها) السادس عشر من الشعوب الشهيرة في التاريخ بثباتها وشجاعتها السبرتيون وما كانوا يقتاتون إلا بالنباتات
وكذلك الرومانيون أيام عظمتهم واليونان كانوا على جانب عظيم من القوة والشدة قبل أن يألفوا أكل اللحوم فلما أكلوها قلت همتهم وقهروا السابع عشر. إن كثيراً من المشاهير ألفوا البقول منهم فيثاغورث وأفلاطون وبلوتدرك ويوليونوس وغشندي وميلتون وينطون وروسو وفولتير وفرنكلن ولا مرتين وغيرهم. الثامن عشر. لما كان الغذاء النباتي طبيعياً للإنسان وأسلم عاقبة وأكثر تضاداً للسكر وسائر الرذائل وأحسن لنمو القوى العقلية وأخص كان عدم التعويل عليه جنوناً بل أثماً.
وهذه أدلة النباتيين وتعاليمهم وقد تتصور أن القوت بالنبات يضيق النطاق فإذا استبصرت أنفسح أمامك وقد ذكر القوم خمسمائة شكل على الأقل تصنع من الخضر والألبان فلا عدول عنها سخافة وقلة عقل.
الأستاذ لا يعول على هذه الأقوال بعد أن أحلت الشرائع ذبح الحيوان للتغذي بلحمه فمنكر الأوامر السماوية منكر للشرائع اللهم إلا أن يقول لا نحرم ذبح ما أحله الله ولكن نأنف من أكل حيوان في حكم القتيل فيرجع الأمر للعادة والله أعلم.